ما لا شك فيه، أن المتحدثين باللغة الألمانية يستخدمون كلمات كثيرة من أصل عربي في حياتهم اليومية، دون معرفة جذور هذه الكلمات.
في العدد السابق سلطنا الضوء على الخلفية التاريخية للعديد من الكلمات الألمانية من أصل عربي، فبعد ما يقرب من 800 عام من الحكم الإسلامي للأندلس دخلت الكثيرمن الكلمات العربية التي تتعلق بعلوم الطبيعة والطب والفلسفة والأدب إلى اللغة الألمانية.
اليوم نتخيل جلسة عائلية، في غرفة المعيشة وقت المساء، بعد العودة من العمل . وإذا استمعنا بعناية، سنجد بعض الكلمات ذات “خلفية مهاجرة” في سياق الحديث اليومي.
تجلس الأم سابينا برفقة ابنتها لينا وولدها ماكس على الصوفا (صوفا ” صوفاية” ومنطقوقها الألماني “سوفا” ودخلت هذه الكلمة الى اللغة الألمانية عام ١٦٩٤).
على الطاولة أمامهم طبق من الفاكهة يتكون من المشمش والكرمنتينا والخوخ والمشمش أو ما يسمى البرقوق( ومنطوقه الألماني “آبريكوسن” ودخلت هذه الكلمة على اللغة الألمانية منذ منتصف القرن السابع عشر) (الكرمنتينا ومنطوقها الألماني “كلمنتينا” وظهرت هذه الكلمة لأول في وثيقة في اللغة الألمانية الجديدة عام 1350م في كتاب الطبيعة).
وفي منتصف الطاولة إبريق من الليمونادا ( وتعود أصل كلمة الليمونادا الى عصير الليمون باللغة العربية وأضيفت هذه الكلمة الى اللغة الألمانية نهاية القرن السادس عشر).
كانت سابينا قد حضرت لهم على الغداء طبق رائع مع الأرز بالزعفران والباذنجان ( الزعفران ومنطوقها الألماني “سافران”، الباذنجان:وتنطق بالألمانية أوباجيني ).
وأثناء الغداء أخبرهم ماكس عن الصعوبات التي يواجهها في المدرسة. لكن الجميع يعرف أنه كسول جداً في الجبر والكيمياء (الجبر: ومنطوقها الألماني” الجيبرا” وكلمة الكيمياء تلفظ باللغة الألمانية شيمي ودخلت هاتان الكلمتان الى اللغة الألمانية في القرن الثاني عشر للميلاد ).
كما أن الجميع يعلم أن ماكس يقضي معظم وقته في ممارسة هوايته، وهي العزف على الآلات الموسيقية كالجيتار والطنبور والدف (كلمة الجيتار مأخوذة عن الكلمة العربية الغيتار ، و عٌرفت هذه الآلة الموسيقية في ألمانيا حوالي عام 1600 ميلادي ، وكلمة طنبور يقابلها باللغة الألمانية” تانمبوغرن” فقط تغير نطقها وفقاً للحروف اللاتينية ).
خلال حديثهم الذي اتسم بالحماس منتظرين عودة والدهم، الذي كان في رحلة سفاري مع الأصدقاء (وتنطق كلمة سفاري تقريباً بنفس نطق اللغة العربية “سفاري ” للدلالة على الرحلة )
رن جرس الباب ليدخل عليهم والدهم بيتر، عائداً من رحلته يحمل حقيبتين ثقيلتين، فهرعت لينا الفضولية إليه بلهفة، ظناً منها أنه قد جلب معه هدايا جميلة لها و للأسرة.
وهذا بالتحديد ماحدث، إذا أنه وبعد أن إرتاح من تعب السفر فتح الحقائب، لتظهر مباشرةً قطع من قماش الساتان والداماسكو والشيفون. فلم ينسى بيتر أن زوجته وابنته ستذهبان قريباً إلى حفل كبير في صالة جميلة. وتحتاجان إلى هذه الأقمشة لخياطة فستانيين لهما. (أنواع الأقمشة الثلاث هذه، لها نفس اللفظ تقريباً باللغة الألمانية، حيث اشتهرت دول الشرق بصناعة هذه الأقمشة ، فبقيت لها نفس الأسماء أيضاً )
كما أنه أحضر لزوجته زوجي حلق من الذهب عيار 24 قيراط، لترتديها في الحفلة أيضاً. (كلمة “كارات” والمأخوذة عن اللغة العربية “قيراط ” إستخدمت لأول مرة في اللغة الألمانية عام ١٢٠٧ ).
و أخبر زوجته أنه عندما أراد شراء الحَلَق لم يتمكن في البداية من قراءة التعريفة بشكل صحيح فأخطأ في قراءة الرقم صفر ولحسن الحظ إنتبه لذلك سريعاً، وتمكن من شراء الهدية بسعر مناسب ( كلمة صفر في اللغة العربية يقابلها باللغة الألمانية ” تسيفر”، وكلمة التعريفة ويقابها باللغة الألمانية “تاريفة” وعرف مصطلح التعريفة “التسعيرة الثابتة ” في البدايات في الشرق ثم إنتقلت الى إيطاليا في بدايات القرن السادس عشر ومنها الى بقية اللغات الأوروبية ”
سارعت لينا لتخبر والدها عن ما حصل في غيابه فقد شنت الشرطة ” غزوة” في المدينة
( كلمة غزوة في اللغة العربية تقابلها في اللغة الألمانية كلمة ” غاتسيه” ويقصد بها الهجوم أو الإغارة وأدخلت هذه الكلمة الى اللغة الألمانية في القرن الثاني عشر )
بعد هذا الجلسة الممتعة ، ذهب الجميع إلى الفراش ، وفي صباح اليوم التالي ، تناولوا وجبة الإفطار مع القهوة والسكر ، و سبق لنا أن شرحنا ذلك في العدد الماضي عن أصل هاتين الكلمتين وكيف انتقلتا إلى اللغة الألمانية ليكون لفظهما ” كافي و تسوكر” . وهكذا يمكنك مواصلة الحديث بكلمات أخرى من اللغة العربية في حياتك اليومية دون أن تعرف! .
فكما أسلفنا سابقاً كثير من الناس يستخدمون في حياتهم اليومية عشرات الكلمات ذات الأصل العربي معتقدين بأنها مفردات أصيلة في اللغة الألمانية.